ولّى عصر الورقيات أو هكذا يفترض، أي لم تعد أكداس البريد مؤشر أداء وفعالية، بل ربما الأمر عكس ذلك، بما أن التقنية فرضت نفسها عنوة كبديل لثقافة الورق، وهو إرغام نعتقده لمصلحتنا على طريقة " عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم". خصوصاً في إدارات قطاعنا العام، التي ما زالت حتى الآن تتسم بظاهرة مجافاة مريبة للتقنية، ولعل ذلك أحد أسباب ترهلها المباشر.
بالأمس كانت الصدفة في مكتب مدير عام المصرف التجاري السوري، حيث طاولة المدير الخالية من أي قصاصة ورقية أي لابريد ورقي ولا مراسلات ولا مراسلين ولا أرقام تسلسل وبالتالي لا أخطاء ولا تلاعب ولا تسويف.
كل شيء واضح ومكشوف عبر برنامج حاسوبي، يمكن المدير العام من إدارة المصرف بفروعه كافة وفي جميع محافظات القطر، من خلال شاشة صغيرة بحجمها بالغة الضخامة بفعاليتها.
كل هذا مهم لكن الأهم، أن البرنامج الحاسوبي يضع حداً لـ "مخاتلات" الموظفين رؤساء كانوا أم مرؤوسين، المدير المقصّر يعرّى تقنياً على الشاشة، وتظهر الخطوط البيانية الفاضحة " بلامجاملة" على شاشة المدير العام، وميزات أخرى نعتقد أنها تتكفل بإنجاح أي إدارة أو على الأقل تؤمن نسبة كبيرة من فرص النجاح، لذا نسأل لماذا لا تعمّم التجربة بما أن المعاناة الأكبر لنا في مؤسسات قطاعنا العام هي معاناة إدارية، وبما أن الإصلاح الإداري يشكل هاجساً كبيراً من هواجس التطوير التي تستولي على اهتمامنا جميعاً الآن.
إنها استراتيجية الطاولات الفارغة التي تبلورت قناعة - ولو خاصة- بأنها مؤشر مهم على نجاح المدير، لأن الطاولة الفارغة تعني أن ذهنية صاحبها منفتحة أولاً ولا مركزية ثانياً وبناءة ثالثاً ومبادرة رابعاً وو...وقد عاينّا عدة حالات في أكثر من مؤسسة وطابقت توقعاتنا الوقائع.
إلا أن الإضافة التي نتحدث عنها في المصرف التجاري السوري هي البرنامج التقني الذي يسمح بتتبع أداء الموظفين في كافة المديريات والفروع ويمنع حظوظ المواربين وهواة "المهيصة" ومضيعة الوقت.
كل مؤسساتنا بحاجة إلى هكذا برنامج، لأن الموظفين الذين نصفهم بالصغار أي أقل من مدير، يسهمون بنصيب غير قليل من أسباب حالة الترهل والفساد والتردي الإداري والإنتاجي التي تهم الكثير من مؤسساتنا، لذا نعتقد أن هؤلاء يسيئون أيضاً وكثيراً لمؤسساتهم، ومن الحكمة مراقبتهم حتى ولو لحظة بلحظة.
باختصار التقنية أداة فعالة لمعالجة قصورنا الإداري، ومن الحكمة أن نرصد تجارب من جرّب بيننا ونجح، ونعمّم، لأن الاطلاع "ببلاش" ولن يستدعي منّا السفر وبطاقات طائرة وبدلات اغتراب.
وغير ذلك من بوابات الإنفاق التي أرهقتنا.